القرآن الكريم كتاب هداية وتشريع، لكنه في الوقت ذاته كتاب نظر وتأمل في ملكوت الله. ومن بين الكائنات التي حظيت بذكر خاص في القرآن الكريم: الطيور, حيث ورد ذكرها في أكثر من موضع، تارةً كآية على قدرة الله في الخلق، وتارةً أخرى في سياق القصص والعبر والتعبير عن أممية المخلوقات، وأحياناً في معرض ضرب الأمثال. وهذا التنوع في الذكر يدل على مكانة الطيور في الإسلام، وعلى أنه مخلوق يجمع بين الجمال والدلالة

الطيور كآية من آيات الخلق وكأمة من الأمم
جاء ذكر الطيور في سياق: التذكير بقدرة المولى جل وعلا على الخلق والإحياء والتسخير
قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ﴾ النحل: 79
وقال سبحانه: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ﴾ الملك: 19
هاتان الآيتان تبرزان جانب الإعجاز في الطيران، فالطير يُمسكه الله بقدرته في الهواء، ويسيره بمشيئته حسب ما اقتضت حكمته سبحانه وتعالى وذلك دليل على كمال حكمته وعلمه الواسع وعنايته الربانية بجميع مخلوقاته وكمال اقتداره، تبارك الله رب العالمين
ولم يقتصر ذكر الطيور في القرآن الكريم على كونها آية من آيات الله في الخلق بل أشار المولى جل وعلا إلى أممية الطير وأنها أمة مستقلة كمثل البشر, قال تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) سورة الأنعام – آية رقم 38

الطيور في قصص الأنبياء
وردت الطيور في قصص الأنبياء كإشارات بليغة منها ما يلي
قصة إبراهيم عليه السلام: عندما سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، قال له: ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ [البقرة: 260]. وفيها دليل على قدرة الله على الإحياء بعد الموت
قصة سليمان عليه السلام: والذي اشتهرت علاقته بالطيور وقدرته على فهم وتحدث لغتها، وخاصة الهدهد الذي كان رسولاً بينه وبين بلقيس ملكة سبأ, قال تعالى: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ [النمل: 20[ وفيها إشارة إلى أن الطير قد يكون وسيلة في إيصال الحقائق، وأنه مسخّر بأمر الله لخدمة أنبيائه
قصة عيسى عليه السلام: حيث جاء في معجزاته أنه شكّل من الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فصار طيراً حقيقياً بإذن الله:﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي﴾ المائدة: 110
قصة أصحاب الفيل: فعندما أراد أبرهة الحبشي هدم الكعبة المشرفة وجاء بجيشه وجنوده ومعهم فيل ضخم, أرسل الله عليهم طيراً أبابيل لترميهم بحجارة من سجيل: ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ﴾ الفيل: 3
وفيها بيان لعظمة جنود الله، وكيف يجعل من أضعف مخلوقاته وسيلة لنصرة الحق
قصة الغراب وابن آدم: عندما أقدم قابيل على قتل أخيه هابيل وأصابه الندم على فعلته ولم يدر ماذا يصنع أرسل الله غرابًا ليعلمه كيف يدفن جثة أخيه: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾ (المائدة: 31

دلالات ذكر الطيور في القرآن
ما يمكن استنتاجه من ذكر الطيور في القرآن الكريم هو أنها وردت بدلالاتٍ مختلفة منها ما يلي
التسخير: فالطير مسخّرة في طيرانها وغذائها ومسار حياتها
الطيور أممٌ أمثالنا: ينبغي التعامل معها كما يليق لأنها تشعر وتتأثر كما يشعر ويتأثر الإنسان
الإعجاز : إظهار قدرة الله في خلق مخلوقات تجمع بين الخفة والدقة في التكوين
العبرة: من خلال قصص الأنبياء حيث لعبت الطيور دوراً في توصيل الرسالة أو إظهار المعجزة
التذكير بالبعث: من خلال قصة إبراهيم عليه السلام، حيث كانت الطيور وسيلة لإيضاح إمكان إحياء الموتى
