مع الطيور هي سلسلة مقالات يقدمها مراقب الطيور ومصور الحياة البرية إسماعيل خليفة. في هذا المقال التأسيسي سنتعرف سويًا عن ماهية الطيور وأهميتها للبشر ولماذا نراقبها.

ما هي الطيور؟
الطُيُورٌ هي مجموعةٌ من الفقاريَّات داخليَّة الحرارة، تتميَّز عن غيرها من الكائنات باكتسائها بِالريش، وامتلاكها منقارًا عديم الأسنان، وبِوضعها بُيوضاً ذات قشرة خارجيَّة سميكة، وتمتُعها بِقلبٍ رُباعيّ الحُجُرات، وهيكلٍ عظميٍّ خفيف البُنية ومتين.
تنتشرُ الطُيُور في جميع أنحاء العالم وتقطنُ جميع الموائل الطبيعيَّة، وتتفاوت في أحجامها تفاوتًا كبيرًا، فأصغر الأنواع حجمًا على الإطلاق هو طنَّان النحلة البالغ في حجمه 5 سنتيمترات، وأكبرها هي النعامة بحجم يصل إلى 2.75 متر.
تتربع الطُيُور على عرش طائفة رُباعيَّات الأطراف بوصفها أكثر مجموعات هذه الطائفة عددًا من حيثُ الأنواع الباقية، التي يُقدِّر عددُها بحوالي عشرة آلاف نوعٍ تقريبًا، أكثر من نصفها ينتمي إلى رُتبة الجواثم أو العُصفُوريَّات.

ما هى أهمية الطيور في حياة الإنسان؟
تلعب الطيور دورًا مهمًا جدًا في حياة الإنسان، فهي تحافظ على التوازن البيئي (بعض الطيور تتغذي على الحشرات الضارة مثل ابو قردان اللي بيساعد الفلاحين في تنظيف التربة من الآفات الزراعية وتنظيف الماشية من الطفيليات الضارة، ومثل بعض الطيور التي تتغذى على الفئران والقوارض فتحمي المحاصيل الزراعية من الدمار. بعض الطيور الجارحة التي تخلص البيئة من جثث الحيوانات النافقة وبالتالي تحد من انتشار الأمراض). كما تساهم الطيور في تأمين الغذاء للبشر من خلالها دورها في تلقيح أزهار الخضروات والفاكهة ونقل البذور من مكان لآخر.
في بعض الأحيان تعتبر الطيور بمثابة نظام إنذار مبكر خاص بالتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية، ويعتبر وجود الطيور في بيئاتها الطبيعية مؤشرًا على سلامة النظام البيئي، بل إنه حتى فضلات الطيور تحمل قدرا من الأهمية إذ تعتبر من الاسمدة العضوية الأكثر تركيزا لاحتوائها على نسب عالية من النيتروجين والفوسفات والبوتاسيوم التي تعد من أهم العناصر والمغذيات الضرورية لعملية الإنبات، فضلات الطيور البحرية تساهم هى الأخرى في تخصيب وازدهار الشعاب المرجانية.

أما إذا تحدثنا من الناحية الاقتصادية فإن الطيور البرية تمثل كنزًا اقتصاديا كبيرًا فسياحة مشاهدة الطيور مثلًا تدر عائدات مادية كبيرة على اقتصادات الدول التي تحسن استغلالها وتطويرها وتوفير المناخ الاستثماري الملائم لها؛ وتعد الولايات المتحدة الأمريكية مثالا جيدًا في هذا الصدد، حيث يصل عدد مراقبي الطيور في الولايات المتحدة (هواة ومحترفين) إلى ما يزيد عن ٩٥ مليون شخص، يُنفقون أكثر من ٤٠ مليار دولار سنويًا على إنشاء ملاجئ وأعشاش خشبية للطيور، وشراء الحبوب المناسبة لوضعها في أماكن تغذيتها وشراء المعدات اللازمة لمشاهدة الطيور مثل النظارات المعظمة والعدسات وكاميرات التصوير وغيرها، إلى جانب ما يتم انفاقه على السفر للبحث عن الطيور، والاقامة بالفنادق وتشغيل المطاعم والحانات وغيرها مما يساهم في توليد قرابة ٨٢ مليار دولار من الناتج الاقتصادي، وتوظيف ما يُقارب ٦٧١ ألف شخص، وإضافة ما يصل إلى ١٠ مليار دولار سنوياً في خزائن حكومات الولايات.
ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في ولاية ماين الأمريكية في شتاء ٢٠٢١/٢٠٢٢ عندما ظهر نوع نادر من الطيور الجارحة في أحد سواحل الولاية، فتسابق مشاهدو الطيور الشغوفين من كافة الولايات لمشاهدة الطائر وتوثيق هذا الرصد النادر. مراقبو الطيور هؤلاء ضخوا أكثر من ٧٥٠ ألف دولار في خزينة الولاية من خلال نفقات إقامتهم في فنادق الولاية وتناول الطعام والشراب في مطاعم وحانات الولاية وتسوقهم في متاجر الولاية.
أهمية الطيور لا تتوقف على كل تلك المنافع العامة للمجتمعات بل تمتد منافعها إلى الصحة النفسية للأفراد حيث تلعب مشاهدة الطيور والتأمل فيها دورا كبيرًا في تحسين الحالة المزاجية وتقليل الضغوط الحياتية ومنح الأفراد شعورا بالراحة والهدوء والتفاؤل والأمل.
وقبل هذا كله تعتبر الطيور من أهم مصادر الإلهام في مجالات الهندسة والصناعة والعلوم ويكفي هنا الإشارة إلى أن أفضل وسائل النقل الحديث وأكثرها أمانًا وهى الطائرة، استلهم الإنسان تصميمها وآلية طيرانها من الطيور التي ألهمت عقول الشعراء والأدباء والمفكرين والفنانين في شتى مجالات الفنون

لماذا نراقب الطيور؟
هواية مراقبة الطيور هي هواية عالمية يمارسها ملايين الأشخاص حول العالم. أمريكا وحدها فيها أكتر من 96 مليون شخص بيعتبروا نفسهم مراقبين طيور حسب دراسة أجريت عام 2022.
طيب هل هى مجرد هواية كده وخلاص لمجرد المتعة؟
الحقيقة لا..مشاهدة الطيور مفيدة من كذا جانب، سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي.
على الصعيد الفردي مشاهدة الطيور والتأمل فيها بتساعد على تحسين الحالة المزاجية وتقليل الضغوط الحياتية، كمان مشاهدة الطيور بتعلمنا الصبر وتساعدنا نستكشف ذاتنا من جديد ونتعلم سوكيات جديدة زي الصمت والتأمل وبتساعد على الإبداع من خلال الإلهام اللي بيجيلنا لما نشوف الطيور في بيئاتها الطبيعية وفوق دا كله مشاهدة الطيور بتساعد على النشاط وفيها قدر من الرياضة لأنك بتتضطر تمشي مسافات كبيرة في بيئات مختلفة علشان تشوف طيور جديدة.
طيب وعلى الصعيد الجماعي؟
مراقبي الطيور بيلعبوا دور مهم في مساعدة العلماء والباحثين في دراسة انتشار وتوزيع الطيور حول العالم وهجراتها وتتبع أعدادها واختلاف سلوكيات هجرتها ومدى تأثير ظواهر زي التغييرات المناخية عليها ودا لأن مراقبي الطيور المحترفين بيسجلوا الأنواع اللي بيشوفوها كل يوم على مواقع مخصصة لذلك زي إي بيرد وأبسرفادو وأي ناتوراليست ودا من خلال سجلات اسمها قوائم تحقق بتحدد المكان والزمان والأنواع والأعداد اللي تم رصدها.
فالعلماء يدخلوا يشوفوا البيانات دي ويحللوها ويعملوا دراسات عن الطيور من خلالها ودي حاجة معروفة عالميا بإسم “علوم المواطنين”.